Abstract:
يُمثّل التراث لدى أىّ أمّة من الأمم تواصلًا فكريًّا ونفسيا واجتماعيا بين الماضي والحاضر، ويبرزُ صُورة من شخصيتها الحضارية؛ بما يختزنهُ من تجَارب ومعَارف أسهمت في بناءِ حضَارة الإنسان، ومما لاشك فيه أنّ التراث الإسلامي قد حوى شيئاً غير قليل من المعارف الثقافية والتجارب الكثيرة التي أظهرت حيويته وفعاليته في بناء الحضارة الإسلامية، في شؤون شتى في الفلك والرياضيات والجغرافية والكيمياء والطب والنقد والفن، بالإضافة إلى ما عرف به التراث من علوم اللغة والأدب والفقه والتفسير والحديث، وكلها علوم قامت حول رحى القرآن الكريم.
وقد ابتُلي تراثنا بتأويلاتٍ مشوّهة لأفكار الأجداد، أو توهمات جاءت من أُناسٍ لم يدركوهُ إما بحجة فهمه وإمّا بحجةِ تطويره، فحين نعودُ إلى التراث لا نعود إليه لتزوير ما اشتمل عليه، أو الانحراف به لغاياتٍ شتَّى، إنما نعودُ إليه لنقرأهُ قراءة واعية علمية، لهذَا حين نقرأ التراث وندرّسه لأبنائنا كي نؤسِّس في ضوئه حلًّا لجملةٍ من مشكلاتِ واقعنا الذي نَعيشُ فيه، ما يجعله يُسهم في الحفاظِ على خصَائصنا الذَّاتية وهويتنا الفكرية، وليست كقراءة المدارس الاستشراقية ومن يحملون أفكارهم؛ ممَّن قرأ تراثنا قراءة انتقائية توافق رغباته المنحرفة، وبثّ سمومه من خلال نقده وتجنّه على النصّ وصاحبه في أغلب الأحيان ، في حين أننا نقرأ التراث لنعود محمّلين بلآلئه، غير عالقين بشوائبه. ولذا فقد ارتأيت أن يكون عنوان هذا البحث(التراث الإسلامي وقراءته بين التقديس والتغريب)
وتكمن مشكلة البحث؛ أن في عصرنا من يمجد التراث ويتغنى به ويأخذ كل مافيه من عجره وبجره، ويقول: ليس في الإمكان أبدع مما كان. بينما نجد النقيض ممن يريد أن يهدم كل قديم بحجة مواكبة العصر فاحتقروا هذا التراث فقالوا:
سئمت كل قديم عرفته في حياتي إن كان عندك شيئ من الجديد فهاتي